فصل: خلع المستعين ومقتله والفتن خلال ذلك.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.خلع المستعين ومقتله والفتن خلال ذلك.

ولما تم ما عقده ابن طاهر ووافى القواد بخط المعتز على كتاب الشروط أخذ البيعة للمعتز على أهل بغداد وخطب له بها وبايع له المستعين وأشهد على نفسه بذلك وفنقله من الرصافة إلى قصر الحسن بن سهل ومعه عياله وأهله وأخذ البردة والقضيب والخاتم ومنع من الخروج إلى مكة فطلب البصرة فمنع منها وبعث إلى واسط فاستوزر المعتز أحمد بن أبي اسرائيل ورجع أخوه أبو أحمد إلى سامرا وفي آخر المحرم انصرف أبو الساج دبواز بن درموسب إلى بغداد فقلده ابن طاهر معاون السواد فبعث معه مؤنة إليها لطرد الأتراك والمغاربة عنها وسار هو إلى الكوفة ثم كتب المعتز إلى ابن طاهر بإسقاط بغا ووصيف ومن معهما من الدواوين وكان محمد أبو عون من قواد ابن طاهر قد تكفل لأبي إسحق بقتلهما وعقد له المعتز على اليمامة والبحرين والبصرة ونمى الخبر إليهما بذلك فركبا إلى طاهر وأخبراه الخبر وأن القوم قد نقضوا العهد ثم بعث وصيف أخته سعاد إلى المؤيد وكان في حجرها فاستوهن له الرضا من المعتز وكذا فعل أبو أحمد مع بغا وكتب لهما المعتز جميعا بالرضا ثم رغب الأتراك في إحضارهما بسامرا وفكتب بذلك ودس إلى ابن طاهر بمنعهما فخرجا فيمن معهما ولم يقدر ابن طاهر على منعهما وحضرا باسامرا فعقد إليهما المعتز على أعمالهما ورد البريد إلى موسى بن بغا الكبير ثم كانت فتنة بين جند بغداد وابن طاهر في شهر رمضان جاؤا إليه يطلبون أرزاقهم قال: كتبت إلى أمير المؤمنين في ذلك فكتب إلي إن كنت تريد الجند لنفسك فأعطهم وإن كان لنا فلا حاجة لنا فيهم فشغبوا ففرق فيهم ألفي دينار فسكنوا ثم اجتمعوا ثانية ومعه الأعلام والطبول وضربوا الخيام بباب الشماسية وبنوا البيوت من الأعواد والقصب وجمع محمد بن إبراهيم أصحابه وشحن داره بالرجال وأرادوا يوم الجمعة أن يمنعوا الخطيب من الدعاء للمعتز فقعد واعتذر بالمرض فخرجوا إلى الجسر ليقطعوه فقاتلهم أصحاب ابن طاهر ودفعوهم عنه ثم دفعوا أصحاب ابن طاهر بإعانة أهل الجانب الشرقي وجاء العامة فجلس الشرطة فأمر ابن طاهر بإحراق الحوانيت إلى باب الجسر ومات أصحابه تعبية الحرب وجاء من دله على عورة الجند فسرح الشاه بن ميكال وعرض القواد فسار إلى ناحيتهم وافترقوا وقتل بينهم ابن الخليل وحمل رئيسهم الآخر ابن القاسم عبدون بن الموفق إلى ابن طاهر ومات في خلال ذلك وأخرج المعتز أخاه المؤيد من ولاية العهد وذلك أن العلاء بن أحمد عامل أرمينية بعث إلى المؤيد بخمسة آلاف دينار فأخذها عيسى بن فرخانشاه فأغرى المؤيد بعيسى الأتراك والمغاربة فبعث المعتز إلى المؤيد وأبي أحمد وقتل المؤيد فأخذ خطه بخلع نفسه ثم نمي إليه أن الأتراك يرومون إخراجه من الحبس فسأل عن ذلك موسى بن بغا فأنكر علم ذلك وأخرج المؤيد من الغد ميتا ودفنته أمه فيقال غطى على أنفه فمات وقيل أقعد في الثلج ووضع على رأسه ثم نقل أخوه ابن أحمد إلى مجلسه ثم اعتزم المعتز على قتل المستعين فكتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر أن يسلمه إلى سيما الخادم وكتب محمد في ذلك إلى الموكلين به بواسط يقال بل أرسل بذلك أحمد بن طولون فسار به في القاطون وسلمه إلى سعيد بن صالح فضربه سعيد حتى مات وقيل ألقاه في دجلة بحجر في رجله وكانت معه دابته فقتلت معه وحمل رأسه إلى المعتز فأمره بدفنه وأمر لسعيد بخمسين ألف درهم وولاه معونة البصرة ثم وقعت فتنة بين الأتراك والمغاربة مستهل رجب بسبب أن الأتراك وثبوا بعيسى بن فرخانشاه فضربوه وأخذوا دابته لما أمرهم المؤيد فامتعضت المغاربة له ونكروا على الأتراك وغلبوهم على الجوسق وأخذوا دوابهم وركبوها وملكوا بيت المال واستجاش الأتراك بمن كان منهم في الكرخ والدور وانضم الغوغاء والشاكرية إلى المغاربة فضعفت الأتراك عن لقائهم وسعى بينهم جعفر بن عبد الواحد في الصلح فتوادعوا أياما ثم اجتمع الأتراك على حين افتراق المغاربة فقصد محمد بن راشد ونصر ابن سعيد منزل محمد بن عون يختفيان عنده حتى تسكن الهيعة فدس للأتراك بخبرهما وجاؤا فقتلوهما في منزله وبلغ ذلك المعتز فهم بقتل! ابن عون ثم نفاه.

.أخبار مساور الخارجي.

كان الوالى على الموصل عقبة بن محمد بن جعفر بن محمد بن الأشعث بن هاني الخزاعي وكان صاحب الشرطة بالحديثة من أعمالها حسين بن بكير وكان مساور ابن عبد الله بن مساور البجلي من الخوارج يسكن البواريخ وحبس صاحب الشرطة حسين بن بكير بالحديثة ابنا للمساور هذا يسمى جوثرة وكان جميلا فكتب إلى أبيه مساور بأن حسين بن بكير نال منه الفاحشة فغضب لذلك وخرج فقصد الحديثة فاختفى حسين وأخرج ابنه من الحبس ثم كثر جمعه من الأكراد والأعراب وقصد الموصل فقاتلها أياما ثم رجع فكان تحت طريق خراسان وكانت لنظر بندأر ومظفر بن مشبك فسار إليه بندار في ثلثمائة مقاتل والخوارج مع مساور في سبعمائة فهزموه وقتلوه ولم ينج منهم إلا نحو خمسين رجلا وفر مظفر إلى بغداد وجاء الخوارج إلى جلولاء وكانت فيهم حرب هلك فيها من الجانبين خلق ثم سار خطرمش في العساكر فلقيهم بجلولاء وهزمه مساور ثم استولى مساور على أكثر أعمال الموصل ثم ولى الموصل أيوب بن أحمد بن عمر بن الخطاب التغلبي سنة أربع وخمسين فاستخلف عليها ابنه الحسن فجمع عسكرا كان فيهم حمدون الحرث بن لقمان جدا لأمراء من بني حمدان ومحمد بن عبد الله بن السيد بن أنس وسار إلى مساور وعبر إليه نهر الزاب فتأخر عن موضعه وسار الحسن في طلبه فالتقوا واقتتلوا وانهزم عسكر الموصل وقتل محمد بن السيد الأزدي ونجا الحسن بن أيوب إلى أعمال اربل ثم كانت الفتنة سنة خمس وخمسين خلع المعتز وبويع للمهتدي وولى على الموصل عبد الله بن سليمان فزحف إليه مساور وخام عبد الله عن لقائه فملك مساور البلد وأقام بها جمعة وصلى وخطب ثم خرج منها إلى الحديثة وكانت دار هجرته ثم انتقض عليه سنة ست وخمسين رجل من الخوارج اسمه عبيدة بن زهير العمري بسبب الخلاف في توبة الخاطيء وقال عبيدة: لا تقبل واجتمع معه جماعة وخرج إليهم مساور من الحديثة واقتتلوا قتالا شديدا ثم قتل عبيدة وانهزم أصحابه وخرج إليه آخر من بني زهر اسمه طوق فجمع له الحسن بن أيوب بن أحمد العدوي جمعا كثيرا وحاربه فقاتله سنة خمس أو سبع واستولى مساور على أكثر العراق ومنع الأموال فسار إليه موسى بن بغا بابكيال في العساكر فانتهوا إلى وبلغهم خبر الأتراك مع المهتدي فأقاموا ثم زحفوا بخلع المهتدي فلما ولي المعتمد سير مفلحا إلى قتال مساور في عسكر كبير وخرج مساور عن الحديثة إلى جبلين حذاءها وقاتله مفلح في أتباعه ولحق الجبل فاعتصم به وأقام مفلح في حصاره فكانت بينهما وقعات وكثرت الجراحة في أصحاب مساور من لدن حربه مع عبيدة إلى هذه الحروب فسار عن الجبل وتركه وأصبح مفلح وقد فقدهم فسار إلى الموصل ثم إلى ديار ربيعة وسنجار ونصيبين والخابور فأصلح أمورها وخرج من الموصل إلى الحديثة ففارقها عنه فرجع مساور في اتباعهم يتخطف من أعقابهم ويقاتلهم حتى وصل الحديثة فأقام بها أياما ثم سار إلى بغداد في رمضان سنة ست وخمسين فرجع مساور الحديثة واستولى على البلاد واشتدت شوكته ثم أوقع به مسرور البلخي سنة ثمان وخمسين وجهز العسكر بالحديثة مع جعلان من قواد الترك ثم قتل سنة احدى وستين يحيى بن جعفر من ولاه خراسان وسار مسرور في طلبه وتبعه الموفق فلم يدركاه.